فاطمة بوبكري
يرجع تاريخ تواجدهم تاريخ كل مدينة مغربية أصيلة، أتثوا المكان والزمان وأسدوا الخدمات الجليلة منها الإنسانية الخدماتية ومنها حتى الأكثر حميمية، فشكلوا لسان المواطن وواسطة العقد في بث ونشر حبل الوصال بين المغترب وأهله وبين المشتكي والمشتكى به، ليسخر الكاتب العمومي وقته وجوارحه وسعة خاطره عبر آلته الكاتبة العتيدة الذاكرة والحافظة لحمولات السنين وتطورات الزمان، لتقوم هذه الأخيرة أيضا بدورها لجس نبض المواطنين وهمومهم ، تظلماتهم، شكاويهم، آهاتهم وتنهداتهم مقابل الابتسامة العريضة وكرم الخدمة مقابل أجر زهيد لايسد متطلباتهم، بمساحة هذا العدد إلتفاتة صوب هذه الفئة من مهنيينا من خلال هذا الخاص الكرونولوجي الذي نستنطق فيه معالم القوة والضعف وأهم المشاكل المحيطة.
الكاتب العمومي مؤهلات ومراسة في خدمة المواطن والإدارة
لقد اعتمد المواطنون منذ القدم على الكاتب العمومي في مختلف معاملاتهم، ذلك أن الكتابة العمومية هي أقدم مهنة أسدت وماتزال خدمات كبرى للمواطنين على اختلاف أجناسهم واهتماماتهم وكذا شرائحهم الاجتماعية أيضا على اختلاف مستوياتهم، وبحكم تعامل الكاتب العمومي مع مختلف قضايا المواطنين فهو يكتسب مهارات فنية وعلمية مستمدة من التجارب اليومية ومما راكمه من معلومات قانونية وغيرها تمكنه من قضاء مآرب كل المواطنين وتوجيههم الوجهة الصائبة، بحيث لايقتصر دور الكاتب العمومي عند مساعدة المواطن في شؤونه الإدارية والقضائية والتوثيقية فحسب بل يتعدى ذلك إلى خدمة الإدارة، ذلك أن المواطن يتمكن عن طريق مساعدة الكاتب العمومي من ولوج الإدارة المعنية بشأنه بشكل مباشر، وهو جاهز من حيث تحديد حاجياته ومن حيث المطلوب منه كمستندات وكطلبات وماشابهها الشيء الذي يوفر على الإدارة الوقت والجهد لتوجيه المواطن وإرشاده لما يجب عليه فعله، فمنذ الأزل اعتمد المواطنون على الكاتب العمومي في توثيق مختلف معاملاتهم وتعاقداتهم سواء تعلق الأمر بالعقار وغيره كما يعتمدون عليه في تدبير مختلف شؤونهم الإدارية والقضائية، بل حتى الشخصية منها في الكثير من الأحيان بتكلفة تناسب قدراتهم ووضعيتهم الاجتماعية.
وإذ قلت أعدادهم اليوم في ظل العولمة والثورة التكنولوجية الحديثة، التي صيرت العالم قرية صغيرة، وبددت كل العلاقات الإنسانية وسحقت كل ماهوأصيل وجميل، طالتهم هم أيضا أيادي الغدر والنسيان فتناثر تواجدهم وتلاشى إلى الوراء، لكن والأمر يتعلق بجحافل من الأفواه تقتات من وراء هذه المهنة العتيدة والخاصة جدا، قرر أصحابها عدم الخضوع أو الاستسلام لتقلبات الإنسان والزمان.
المادة 4 من القانون رقم 08-39 المتعلق بالحقوق العينية يقصي الكتاب العموميين ويتجاهل أدوارهم
اصطدم الكتاب العموميون مؤخرا بالقانون الصادر الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه والمتعلق بالمادة 4 من القانون المتعلق بالحقوق العينية، على اعتبار أنه يقصي هذه الفئة من تحرير العقود التي لها علاقة بالشؤون العقارية والتجارية وعقود الملكية المشتركة وكل ما له علاقة بالعقارات المحفظة وغير المحفظة، حيث صار هذا القانون يهدد قوت ومعيشة أكثر من 60 ألف كاتب عمومي على المستوى الوطني وأحالها على المحامين والموثقين ليضيق مجال اشتغالهم، في الوقت الذي يستخدمون فيه بمكاتبهم عددا مهما من اليد العاملة منهم حملة الشواهد العليا ومنهم مجازون كانوا قد فقدوا الأمل في التوظيف ليصطدم كل هؤلاء بالمشرع المغربي يصدر القانون رقم 08/ 39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 24نونبر 2011هذا القانون ومن خلال المادة 4 يمنع بشكل مباشر من توثيق معاملات المواطنين المتعلقة بنقل ملكية الحقوق العينية أو تعديلها أو إسقاطها ويحيلها على فئة مهنية هي في غنى عن مثل هذا الاختصاص وهي بذلك تقزم دور الكاتب العمومي وتعرضه للإفلاس والتشرد والبطالة، وتضرب عرض الحائط كل ماركمه هؤلاء من تجربة ومدارك مع العلم أن الكاتب العمومي لايعتمد على أية جهة لدعم حاجياته الخاصة سواء المادية أو المعنوية كما يتعفف عن المطالبة بأية حقوق اجتماعية من تغطية صحية وضمان اجتماعي وتقاعد و....، بل يلتزم بأداء واجبه تجاه الخزينة العامة عبر أدائه للضرائب المفروضة عليه على غرار باقي مهنيي الخدمات العمومية، كما يساهم في التنمية المحلية عبر تسييره إبرام عدد من التعاقدات والاتفاقيات بمرونة قد لايوفرها غيره من مهنيي التوثيق، كما يساهم في ضخ الملايين من الدراهم في الخزينة العامة للمملكة بتشجيعه للمتعاقدين على تسجيل تعاقداتهم أمام مصالح التسجيل وأداء الرسوم المفروضة عليها وتسديد الضرائب المترتبة على ماتعاقدوا عليه حرصا على سلامة التعاقد المبرم وعلى حماية المستفيد من عملية التعاقد، ورغم كل هذه المزايا الخدماتية التي يشكل فيها الكاتب العمومي العمود الفقري يبقى هذا الأخير مفتقرا لأي إطار قانوني ينظم مهنته ويحمي مكتسباته ويصون حقوقه الشيء الذي جعله اليوم يصحو من غفوته بعد النزلة الصادمة للقانون رقم 08-39 المتعلق بالحقوق العينية خاصة منه المادة أربعة ، لتبادر جموع الكتاب العموميون بالمغرب إلى إنشاء هيئة تضم شتاتهم وتنظم مهنتهم وسبل النضال للدفاع عن حقوقهم وهي الهيئة التي أطلقت على نفسها إسم "الهيئة الوطنية للكتاب العموميين محرري العقود الثابتة التاريخ"، كرد فعل مباشر للقرار الذي اعتبره الكتاب العموميون مستفزا ومحبطا بل الأكثر من ذلك ذهب كاتب عام الهيئة الوطنية للكتاب العموميين عبد السلام بنسعيد أن المادة 4 من القانون رقم 08-39 المتعلق بالحقوق العينية غير دستورية لأنها تتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص وضمان العيش الكريم للمواطنين كما أن صدورها الذي يستغرب له جاء بسرعة غير اعتيادية وفي ظرفية استثنائية انتقالية من حكومة عباس الفاسي إلى حكومة بنكيران في ظرف خمسة عشرة يوما وهو الأمر الذي يدعو للشك والريبة، دون إشراك المهنيين المعنيين في الحوار ومن هنا طالب بنسعيد من الحكومة والبرلمان إعادة النظر في هذه المادة انصافا لمهنيي الكتابة العمومية، ذلك أن تحرير العقود وهي التي تشكل المورد الأساسي لمهنة الكتابة العمومية، سيؤدي الى نتائج وخيمة ستنعكس على شريحة مهمة وحيوية تقوم بدور فعال كصلة وصل بين المواطن والمؤسسات الإدارية العمومية والشبه العمومية بشتى أنواعها إضافة إلى دورها الكبير في تسهيل الإجراءات العقارية .
مباشرة الإجراءات النضالية ورفع المذكرة المطلبية
قررت الهيئة المنظمة إذن لمهنة الكتابة العمومية مباشرة النضال والدفاع عن ملفها المطلبي الذي يوصف بجد "مشروع وعادل"، خاصة وأن مستقبلهم وأوضاعهم على المحك فهي شريحة مهمة من مواطني المملكة التي يتعدى عددهم الستون ألف كاتب وكاتبة للإشارة العنصر النسوي يشكل الثلث من هذه الفئة، يعيلون أزيد من ستين ألف أسرة قد لايقل عدد أفراد الأسرة الواحدة منها خمسة أفراد في المعدل العام ، ومن هنا كانت الدعوة عبر مذكرتها المطلبية إلى الجهات المختصة، إلى سن قانون تنظيمي للمهنة يحمي مكتسبات الكتاب العموميين ويصون حقوقهم وينظم اختصاصاتهم كما يشرعن حقوقهم الاجتماعية والمادية، ومن ثمة تنفيذ التزام وزارة العدل المتمثل في المنشور الوزاري رقم 577 لسنة 1971والقاضي بتقديم قانون تنظيمي لمهنة الكاتب العمومي إلى الجهات المختصة، ولهذا الغرض راسلت الهيئة مجموعة من الجهات المختصة وذات علاقة ولحد كتابة هذه السطور لم تتوصل بعد بأي رد يذكر، خاصة وأن مذكرتها المطلبية أصحبتها بتدليل إحصائي على جسامة المسؤوليات والالتزامات الملقاة على كاهل الكاتب العمومي وكذل الثقل الذي يتحمله بذلا من الدولة، فلو سلمنا أن كل واحد من الستون ألف كاتب عمومي عبر التراب الوطني يعول أربعة أفراد فسيكون العدد الذي تعوله مكاتب الكتابة العمومية هو أربعمائة وثمانون ألف مواطن، وإذا أضيفت إليهم العائلات المستفيدة من ريع كراء المكاتب المذكورة فسيكون الحاصل أكثر من ثلاثمائة وستون ألف مواطن وعليه سيكون ما مجموعه ثمانمائة وأربعون ألف مواطن ومواطنة ممن يستفيدون بطريقة مباشرة من مداخيل الكتابة العمومية، فيما يستفيد بطريقة غير مباشرة نفس العدد تقريبا من جميع المهن الأخرى التي ينفق فيها المستفيدون بطريقة مباشرة أموالهم ومن ثمة يكون مجموع المستفيدين من مهنة الكتابة العمومية بطريقة مباشرة وغير مباشرة هو مليون وستمائة وثمانون ألف نسمة، ولو سلم أن من هؤلاء حوالي مائة وعشرون ألف مهني بما فيهم الستون ألف كاتب عمومي فكم سيكون مبلغ الضريبة المهنية المفروضة عليهم سنويا؟ فلو قدر المبلغ بأقل مايمكن وهو طبعا خمسمائة درهم فستكون النتيجة ستون مليون درهم، ولو قدر مبلغ الضريبة العامة على الدخل بنفس الرقم تقريبا فسيكون المبلغ الذي ستخسره الدولة هو مليار ومائتا مليون درهم سنويا.
واعتبارا لماتعرفه العمليات العقارية من حركية واسعة وسرعة وحيوية تكسب الدولة من هذه العمليات مبالغ جد مهمة يوميا، لكن إن أصبح نقل الملكية مشروطا ومقيدا بالمادة أربعة من القانون 08ـ 39 فستخسر الدولة ملايير الدراهم مابين التسجيل والتنمبر والمحافظة العقارية ومصالح تصحيح الإمضاءات وبالتالي ستغلق موردا مهما وأساسيا من موارد ميزانيتها.
الكاتب العمومي المصطفى المصدوقي
"الكاتب العمومي عرف تطورا عبر التاريخ وهو أول من شرع في الكتابة وتحرير المراسلات"
ـ بداية نود أن نعلم من خلالك لماذا إنشاء هذه الهيئة وفي هذا الوقت بالذات؟
تم تأسيس الهيئة الوطنية للكتاب العموميين محرري العقود الثابتة لأن المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية من القانون 39ـ 08المنشور بالجريدة الرسمية حرمت الكتاب العموميين الذين يبلغ عددهم مايناهز ستون ألف كاتب عمومي من تحرير عقود نقل الملكية ، وبما أن المادة هذه تمس بطريقة مباشرة مورد رزق هذه الفئة من المجتمع المغربي فكان لزاما تأسيس هيئة وطنية من أجل الدفاع عن حقوق الكتاب العموميين بكامل تراب المملكة وبما أن الدستور نص على تكافؤ الفرص في كسب العيش فالكاتب العمومي وجد نفسه مضطرا إلى أن يحافظ على مصدر عيشه وعيش عائلته
ـ هذا يعني أن المهنة لم تكن تحتوي على إطار ينظمها؟
نعم لم يكن هناك أي تنظيم يؤطر هذه الفئة إلا بعض الجمعيات التي تم تأسيسها من طرف بعض الإخوة في جنوب المملكة وعلى رأسهم رئيس الهيئة الحالية.
ـ لابأس من التطرق إلى مسار هذه الفئة من المهنيين كيف كان وكيف أصبح؟
الكاتب العمومي عرف تطورا عبر التاريخ حيث لاننسى أن أول من شرع في الكتابة وتحرير المراسلات هو الكاتب العمومي قبل غيره والكاتب العمومي يسهل المساطرعلى المواطنين لأن تكلفة تحرير عقد لا تتعدى في غالب الأحيان مائة درهم منها عقود البيع وعقود نقل الملكية الأخرى
ـ ماهي التسهيلات التي يقدمها الكاتب العمومي في بعض العقود خاصة منهانقل الملكية؟
نعم هذا سؤال مهم، فمثلا في المناطق الفلاحية مثل منطقة الروماني مثلا هناك عقارات يبلغ مجموع مساحتها 140 هكتارا تقريبا وهناك من يملك على الشياع بها مساحة لاتتعدى آرا أو آرين ويريد تفويتها لأحد أقاربه كي يستفيذ منها، هنا نتساءل من الجهة التي ستحرر هذا العقد؟ إذن بطبيعة الحال هنا الكاتب العمومي هو من يسهل المسطرة على المشرع والبائع وكذا المشتري وهنا نشير إلى قضية لاتقل أهمية يساهم الكاتب العمومي فيها ألا وهي العقارات غير المحفظة وهنا السؤال موجه إلى الجهات المسؤولة التي ساهمت في وضع المادة أربعة من مدونة الحقوق العينية من الجهة التي ستحرره؟ خصوصا أن منطقة الرماني دائما أغلب منازلها غير محفظة، هذا ناهيك عن العديد من المشاكل ففي العديد من الحالات نجد أن مكتب الكاتب العمومي الواحد يشتغل به أكثر من ثمانية أشخاص وأن هناك كتابا عموميين من حملة الشهادات العليا التجؤا إلى الكتابة العمومية وبالتالي وفروا على الدولة المغربية مناصب للشغل هؤلاء الناس في حالة تطبيق المادة أربعة فما مصيرهم؟كما أن هناك مكاتب مشتركة بين حاملي الشهادات.
ـ أين يتجلى الخطر بالضبط في المادة الرابعة؟
الخطر يتجلى في كون عقود نقل الملكية بمافيها البيع والصدقة والهبة وعقود أخرى كثيرة تعتبر المورد الأساسي للدخل لدى الكاتب العمومي، حيث أنه كما سبقت الإشارة يتم تحرير العقد بمبلغ 100 درهم تقريبا كحد أدنى و 300 درهم كحد أقصى في حين أن باقي العقود يتم تحريرها بمبلغ 25 درهم إذن في حالة حرمان الكاتب العمومي من عقود نقل الملكية فسيفقد موردا هاما من مورده اليومي وبالتالي ستعمل على تسريح مشغلين لديه، فشخصيا أن أمارس المهنة مايفوق أربع سنوات وتشتغل معي كاتبة مجازة وأنا أيضا مسؤول عن عائلة تتكون من تسعة أشخاص فكيف سأتحمل نفقاتهم مع تطبيق المادة أربعة من القانون المشار إليه؟.
ـ طيب، كيف ترى مستقبل المهنة ؟
أعتقد أن المهنة سيكون لديها الإقبال أكثر فأكثر خصوصا مع تأسيس الهيئة، وفي حالة عدم الاستجابة لمطالبنا المشروعة والعادلة سنخوض جميع الطرق والاحتمالات التصعيدية الممكنة بحكم أننا طرقنا جميع الأبواب من رئاسة الحكومة وكذا الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان..، ومستعدون للتعاون التام وفتح النقاشات الواسعة والجلوس إلى طاولة الحوار الاجتماعي من أجل إيجاد صيغ توافقية تحمي مهنيي الكتابة العمومية وتراعي إكراهات المشرع حرصا على المصلحة العليا للبلاد.
المصدر : http://zoompresse.com/news1424.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليقا